فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الألوسي:
وقد ركب في هذا (الفصل متن) عمياء وتاه في تيهاء، فقد تخيل أن القراء أئمة الوجوه السبعة اختار كل منهم حرفًا قرأ به اجتهادًا لا نقلًا وسماعًا كما ذهب إليه بعض الجهلة فلذلك غلط ابن عامر في قراءته هذه وأخذ يبين منشأ غلطه، وهذا غلط صريح يخشى منه الكفر والعياذ بالله تعالى فإن القراآت السبعة متواترة جملة وتفصيلًا عن أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم فتغليط شيء منها في معنى تغليط رسول الله صلى الله عليه وسلم بل تغليط الله عز وجل نعوذ بالله سبحانه من ذلك، وقال أبو حيان: أعجب لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي صريح محض قراءة متواترة (موجود) نظيرها في كلام العرب في غير ما بيت، وأعجب (لسوء ظن) هذا الرجل بالقراء الأئمة الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله تعالى شرقًا وغربًا، وقد اعتمد المسلمون على نقلهم لضبطهم ومعرفتهم وديانتهم اهـ.
وقال الألوسي:
وقد شنع عليه أيضًا غير واحد من الأئمة، ولعل عذره في ذلك جهله بعلمي القراءة والأصول.
وقد يقال: إنه لم يفرق بين المضاف الذي لم يعمل وبين غيره ومحققو النحاة قد فرقوا بينهما بأن الثاني يفصل فيه بالظرف، والأول إذا كان مصدرًا أو نحوه يفصل بمعموله مطلقًا لأن إضافته في نية الانفصال ومعموله مؤخر رتبة ففصله كلا فصل فلذا ساغ ذلك فيه ولم يخص بالشعر كغيره.
وممن صرح بذلك ابن مالك، وخطأ الزمخشري بعدم التفرقة وقال في كافيته:
وظرف أو شبيهه قد يفصل ** جزئي إضافة وقد يستعمل فصلان

في اضطرار بعض الشعرا ** وفي اختيار قد أضافوا المصدرا

لفاعل من بعد مفعول حجز ** كقول بعض القائلين للرجز

بفرك حب السنبل الكنافج ** بالقاع فرك القطن المحالج

وعمدتي قراءة ابن عامر ** وكم لها من عاضد وناصر

انتهى.
وبعد هذا كله لو سلمنا أن قراءة ابن عامر منافية لقياس العربية لوجب قبولها أيضًا بعد أن تحقق صحة نقلها كما قبلت أشياء نافت القياس مع أن صحة نقلها دون صحة القراءة المذكورة بكثير، وما ألطف قول الإمام على ما حكاه عنه الجلال السيوطي، وكثيرًا ما أرى النحويين متحيرين في تقرير الألفاظ الواردة في القرآن، فإذا استشهد في تقريره ببيت مجهول فرحوا به وأنا شديد التعجب منهم لأنهم إذا جعلوا ورود ذلك البيت المجهول على وفقه دليلًا على صحته فلأن يجعلوا ورود القرآن به دليلًا على صحته كان أولى، ومما ذكرنا يعلم ما في قول السكاكي: لا يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف، ونحو قوله:
بين ذراعي وجبهة الأسد

محمول على حذف المضاف إليه من الأول، ونحو قراءة من قرأ {قَتْلَ أولادهم شُرَكَائِهِمْ} لاستنادها إلى الثقات وكثرة نظائرها، ومن أرادها فعليه بخصائص ابن جني محمولة عندي على حذف المضاف إليه من الأول واضمار المضاف في الثاني كما في قراءة من قرأ {والله يُرِيدُ الآخرة} [الأنفال: 67] بالجر أي عرض الآخرة، وما ذكرت وإن كان فيه نوع بعد إلا أن تخطئة الثقات والفصحاء أبعد اهـ.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ببناء {زُيّنَ} للمفعول ورفع {قَتْلَ} وجر {أوردهم} ورفع {إلى شُرَكَائِهِمْ} بإضمار فعل دليل عليه {زُيّنَ} كما في قوله:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ** ومختبط مما تطيح الطوائح

كأنه لما قيل: زين لهم قتل أولادهم قيل من زينه؟ شركاؤهم.
{لِيُرْدُوهُمْ} أي ليهلكوهم بالإغواء {وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} أي ليخلطوا عليهم ما كانوا عليه من دين إسماعيل عليه السلام حتى زلوا عنه إلى الشرك أو دينهم الذي وجب أن يكونوا عليه.
وقيل: المعنى ليوقعوهم في دين ملتبس، واللام للتعليل إن كان التزيين من الشياطين لأن مقصودهم من إغوائهم ليس إلا ذلك، وللعاقبة إن كان من السدنة إذ ليس محط نظرهم ذلك لكنه عاقبته. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقرأ الجمهور: {زَيَّنَ} بفتح الزاي ونصب: {قتل} على المفعوليّة ل {زيَّن}، ورفععِ شركاؤهم على أنّه فاعل: {زين}، وجرّ {أولادهم} بإضافة قَتْل إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله.
وقرأه ابن عامر: {زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائِهم} ببناء فعل {زين} للنّائب، ورفع {قتل} على أنه نائب الفاعل، ونصب {أولادهم} على أنَّه مفعول {قتل}، وجَرّ {شركائهم} على إضافة {قتل} إليه من إضافة المصدر إلى فاعله، وكذلك رسمت كلمة {شركائهم} في المصحف العثماني الّذي ببلاد الشّام، وذلك دليل على أنّ الّذين رَسموا تلك الكلمة راعوا قراءة {شركائهم} بالكسر وهم من أهل الفصاحة والتّثبت في سند قراءات القرآن، إذا كتب كلمة {شركائهم} بصورة الياء بعد الألف، وذلك يدلّ على أنّ الهمزة مكسورة، والمعنى، على هذه القراءة: أنّ مزيِّنا زَيَّن لكثير من المشركين أن يَقْتُلَ شركاؤُهم أولادَهم، فإسناد القتل إلى الشّركاء على طريقة المجاز العقلي إمّا لأنّ الشّركاء سبب القتل إذا كان القتل قُربانًا للأصنام، وإمَّا لأنّ الّذين شرعوا لهم القتل هم القائمون بديانة الشّرك مثل عمرو بن لُحي ومن بعده، وإذا كان المراد بالقتل الوأْدَ، فالشركاء سببَ وإن كان الوأد قُربانًا للأصنام وإن لم يكن قربانًا لهم (وهو المعروف) فالشركاء سبب السبب، لأنه من شرائع الشرك.
وهذه القراءة ليس فيها ما يناكد فصاحة الكلام لأنّ الإعراب يُبيِّن معاني الكلمات ومواقعها، وإعرابها مختلف من رفع ونصب وجرّ بحيث لا لبس فيه، وكلماتها ظاهرٌ إعرابها عليها، فلا يعدّ ترتيب كلماتها على هذا الوصف من التّعقيد المخلّ بالفصاحة، مثل التّعْقيد الّذي في قول الفرزدق:
وما مِثْلُه في النّاس إلاّ مُمَلَّكًا ** أبُو أمِّه حَيّ أبُوهُ يقاربهْ

لأنَّه ضَمَ إلى خلل ترتيب الكلام أنَّه خَلل في أركان الجملة وما حفّ به من تعدّد الضّمائر المتشابهة وليس في الآية ممّا يخالف متعارف الاستعمال إلاّ الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، والخَطْبُ فيه سهل: لأنّ المفعول ليس أجنبيًا عن المضاف والمضاف إليه، وجاء الزمخشري في ذلك بالتّهويل، والضّجيج والعويل، كيف يفصَل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول وزاد طنبور الإنكار نغمة.
فقال: والذي حَمَله على ذلك أنّه رأى في بعض المصاحف: {شركائهم} مكتوبًا بالياء، وهذا جري على عادة الزمخشري في توهين القراءات المتواترة، إذا خالفت ما دُوّن عليه علم النّحو، لتوهّمه أنّ القراءات اختيارات وأقيسة من القُرّاء، وإنَّما هي روايات صحيحة متواترة وفي الإعراب دلالة على المقصود لا تناكد الفصاحة.
ومُدوّناتُ النّحو ما قصد بها إلاّ ضبط قواعد العربيّة الغالبة ليجري عليها النّاشئون في اللّغة العربيّة، وليست حاصرة لاستعمال فصحاء العرب، والقرّاءُ حجّة على النّحاة دون العكس، وقواعد النّحو لا تمنع إلاّ قياس المولَّدين على ما ورد نادرًا في الكلام الفصيح، والنّدرة لا تنافي الفصاحة، وهل يظنّ بمثل ابن عامر أنّه يَقرأ القرآن متابعة لصورة حروف التهجّي في الكتابة.
ومثل هذا لا يروج على المبتدئين في علم العربيّة، وهلاّ كان رسم المصحف على ذلك الشّكل هاديًا للزمخشري أن يتفطّن إلى سبب ذلك الرسم.
أمَّا ابن عطيّة فقال: هي قراءة ضعيفة في استعمال العَرب يريد أنّ ذلك الفصل نادر، وهذا لا يُثبت ضعف القراءة لأنّ الندور لا ينَافي الفصاحة.
وبَعَّد ابنُ عطيّة هذه القراءة بعدم مناسبتها للتّعليل بقوله: {ليردوهم} وتبعيد ابن عطيّة لها تَوَهُّمٌ: إذ لا منافاة بين أن يُزيّنوا لهم قتلَ أولادهم وبين التّعليل فإنّ التّعليل يستعمل في العاقبة مجازًا مثل قوله تعالى: {فالتقطه آلُ فرعون ليكونَ لهم عدوًّا وحَزنًا} [القصص: 8].
ومن العجيب قول الطّبري: والقراءَة الّتي لا أستجيز غيرها بفتح الزاي ونصب: {القتل} وخفض: {أولادهم} ورفع: {شركائهم}.
وذلك على عادته في نصب نفسه حكمًا في التّرجيح بين القراءات.
واللاّم في: {ليردوهم} لام العاقبة إن كان المراد بالشّركاء الأصنام، أي زيَّنوا لهم ذلك قصدًا لنفعهم، فانكشف عن أضرارٍ جهلوها.
وإن كان المراد بالشّركاء الجنّ، أي الشّياطين فاللاّم للتّعليل: لأنّ الإيقاع في الشرّ من طبيعة الوسواس لأنَّه يستحسن الشرّ وينسَاق إليه انسياق العقرب للَّسع من غير قصد إلى كون ما يدعونهم إليه مردِيا ومُلْبِسًا فإنَّهم أولياؤهم لا يقصدون إضرارهم ولكنّهم لمّا دعوهم إلى أشياء هي في نفس الأمر مضارّ كان تزيينهم مُعلّلًا بالإرداء والإلباس وإن لم يفقهوه بخلاف من دعا لسبب فتبيّن خلافه، والضّمير للشّركاء والتّعليل للتّزيين.
والإرْدَاء: الإيقاع في الرّدى، والردَى: الموت، ويستعمل في الضرّ الشّديد مجازًا أو استعارة وذلك المراد هنا.
ولَبَس عليه أوقعه في اللّبس، وهو الخلط والاشتباه، وقد تقدّم في قوله تعالى: {ولا تَلبسوا الحقّ بالباطل} في سورة [البقرة: 42]، وفي قوله: {وللبَسْنا عليهم ما يلبسون} في هذه السّورة [9].
أي أن يخلطوا عليهم دينهم فيوهموهم الضّلال رشدًا وأنّه مراد الله منهم، فهم يتقرّبون إلى الله وإلى الأصنام لتقرّبهم إلى الله، ولا يفرّقون بين ما يرضاه الله وما لا يرضاه، ويخيّلون إليهم أنّ وأد البنات مصلحة.
ومن أقولهم: دَفْن البناهْ من المَكْرمَاهْ البناه.
والمكرماه.
بالهاء ساكنة في آخرهما.
وأصلها تاء جمع المؤنث فغيّرت لتخفيف المثَل وهكذا شأن الشّبه والأدلّة الموهومة التي لا تستند إلى دليل.
فمعنى: {وليلبسوا عليهم دينهم} أنَّهم يحدثون لهم دينًا مختلطًا من أصناف الباطل، كما يقال: وسِّعْ الجبّة، أي اجعلها واسعة، وقيل: المراد ليدخلوا عليهم اللّبس في الدّين الّذي كانوا عليه وهو دين إسماعيل عليه السّلام، أي الحنيفيّة، فيجعلوا فيه أشياء من الباطل تختلط مع الحقّ. اهـ.

.قال الفخر:

قال أصحابنا: إنه يدل على أن كل ما فعله المشركون فهو بمشيئة الله تعالى.
قالت المعتزلة: إنه محمول على مشيئة الإلجاء، وقد سبق ذكره مرارًا {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112] وهذا على قانون قوله تعالى: {اعملوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] وقوله: {وَمَا يَفْتَرُونَ} يدل على أنهم كانوا يقولون: إن الله أمرهم بقتل أولادهم، فكانوا كاذبين في ذلك القول. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَلَوْ شَاء الله مَا فَعَلُوهُ} يعني: لو شاء الله لمنعهم من ذلك منع اضطرار وقهر وأهلكهم {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} يعني: دعهم وما يكذبون بأن الله أمرهم بذلك، ومعناه: أن الله مع قدرته عليهم قد تركهم إلى وقت قدرهم، فاتركهم أنت أيضًا إلى الوقت الذي تؤمر بقتالهم.
ويقال: معناه دعهم فإنّ لهم موعدًا بين يدي الله فيحاسبهم ويجازيهم بها. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَوْ شاء الله} أي عدم فعلهم ذلك {مَّا فَعَلُوهُ} أي ما فعل المشركون ما زين لهم من القتل أو ما فعل الشركاء من التزيين أو الإرداء واللبس أو ما فعل الفريقان جميع ذلك على إجراء الضمير المفرد مجرى اسم الإشارة {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} الفاء فصيحة أي إذا كان ما كان بمشيئة الله تعالى فدعهم وافتراءهم أو ما يفترونه من الكذب ولا تبال بهم فإن في ما يشاء الله تعالى حكمًا بالغة وفيه من شدة الوعيد ما لا يخفى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والقول في معنى: {ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفسرون} كالقول في قوله آنفًا {ولو شاء ربك ما فعلوه} [الأنعام: 112] وضمير الرّفع في: {فعلوه} يعود إلى المشركين، أي: لو شاء الله لعصمهم من تزيين شركائهم، أو يعود إلى الشّركاء، أي: لو شاء الله لصدّهم عن إغواء أتباعهم، وضمير النّصب يعود إلى القتل أو إلى التّزيين على التوزيع، على الوجهين في ضمير الرّفع.
والمراد: بـ {ما يَفترون} ما يفترونه على الله بنسبة أنّه أمرهم بما اقترفوه، وكان افتراؤهم اتِّباعًا لافتراء شركائهم، فسمّاه افتراء لأنَّهم تقلّدوه عن غير نظر ولا استدلال، فكأنَّهم شاركوا الّذين افتروه من الشّياطين، أو سدنة الأصنام، وقادة دين الشّرك، وقد كانوا يموّهون على النّاس أنّ هذا ممّا أمر الله به كما دلّ عليه قوله في الآية بعد هذه: {افتراء عليه} [الأنعام: 138] وقوله في آخر السّورة: {قل هلمّ شهداءكم الذين يشهدون أنّ الله حرّم هذا} [الأنعام: 150]. اهـ.

.كلام نفيس لصاحب إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع في شرح قراءة ابن عامر:

(670) وَزَيَّنَ فِي ضَمٍّ وَكَسْرٍ وَرَفْعُ قَتـ ** ـلَ أَوْلاَدِهِمْ بِالنَّصْبِ شَامِيُّهُمْ تَلاَ

(671) وَيُخْفَضُ عَنْهُ الرَّفْعُ فِي شُرَكَاؤُهُمْ ** وَفِي مُصْحَفِ الشَّامِينَ بِالْيَاءِ مُثِّلاَ

يعني قوله تعالى: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم}، قراءة الجماعة على أن شركاؤهم فاعل زين والمفعول قتل المضاف إلى أولادهم وقراءة ابن عامر على أن زين فعل لم يسم فاعله وقتل بالرفع على أنه أقيم مقام الفاعل وأولادهم بالنصب مفعول قتل لأنه مصدر وشركائهم بالجر على إضافة قتل إليه أي قتل شركائهم أولادهم كقولك عرف ضرب زيد عمرا أضيف المصدر إلى الفاعل فانجر وبقي المفعول منصوبا لكن في قراءة ابن عامر زيادة على هذا وهو تقديم المفعول على الفاعل المجرور بالإضافة وسيأتي توجيه ذلك فقوله وزين مبتدأ وفي ضم وكسر في موضع الحال أي كائنا في ضم الزاي وكسر الياء ورفع قتل عطف على وزين أولادهم كذلك على حذف حرف العطف وبالنصب في موضع الحال أي منصوبا وشاميهم تلا جملة من مبتدأ ثان وخبر هي خبر وزين وما بعده أي تلا على هذه الصورة أو يكون وزين وما بعده مفعولا لقوله تلا مقدما عليه أي ابن عامر تلا ذلك وكان التعبير على هذا التقدير يقتضي أن يقول وقتل بالرفع فلم يتزن له فقلب اللفظ لأمن الإلباس لأن من تلا قتل بالرفع فقد تلا الرفع وقيل ورفع قتل مبتدإ خبره محذوف أي وله رفع قتل وله أولادهم بالنصب وقوله وفي مصحف الشامين حذف منه ياء النسبة المشددة وهذا سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى في باب التكبير في قوله وفيه عن المكين أراد أن مصحف أهل الشام الذي أرسله عثمان رضي الله عنه إليهم رسم فيه شركائهم بالياء فدل ذلك على أنه مخفوض فهو شاهد لقراءته كذلك ولكن لا دلالة فيه على نصب أولادهم فهو الذي استنكر من قراءته فيحتمل أن يكون أولادهم مجرورا بإضافة المصدر إلى مفعوله وشركائهم صفة له قال أبو عمرو الداني في مصاحف أهل الشام {أولادهم شركائهم}، بالياء وفي سائر المصاحف شركاؤهم بالواو قال أبو البرهسم في سورة الأنعام في إمام أهل الشام وأهل الحجاز أولادهم شركائهم وفي إمام أهل العراق شركاؤهم قلت ولم ترسم كذلك إلا باعتبار قراءتين فالمضموم عليه قراءة معظم القراء ويحتمل أيضا قراءة أبي عبد الرحمن السلمي على إسناد زين إلى القتل كما فعل ابن عامر ولكنه خفض الأولاد بالإضافة ورفع شركاؤهم على إضمار فعل كأنه قيل من زينه فقال شركاؤهم فهو مثل ما يأتي في سورة النور- يسبح له فيها- بفتح الياء ثم قال رجال أي يسبحه رجال وهي قراءة ابن عامر وأبي بكر وأما خفض شركائهم فيحتمل قراءة ابن عامر ويحتمل أن يكون نعتا للأولاد وعلى قراءة أبي عبد الرحمن السلمي السابقة وهذا أوجه من القراءة لا استبعاد فيه لفظا ولا معنى قال الزجاج وقد رويت شركائهم بالياء في بعض المصاحف ولكن لا يجوز إلا على أن يكون شركاؤهم من نعت أولادهم لأن نعت أولادهم شركاؤهم في أموالهم وقال ابن النحاس فيها أربع قراءات فذكر ما ذكرناه ونسب قراءة السلمي إلى الحسن أيضا ونسب القراءة الرابعة إلى أهل الشام فقال وحكى غير أبي عبيد عن أهل الشام أنهم قرءوا زين بالضم قتل بالرفع وخفض أولادهم شركائهم بالخفض أيضا على أن يبدل شركائهم من أولدهم لأنهم شركاؤهم في النسب والميراث وذكر الفراء القراءتين الأوليين برفع شركائهم ثم قال وفي بعض مصاحف أهل الشام شركائهم بالياء فإن تكن مثبتة عن الأولين فينبغي أن يقرأ زين ويكون الشركاء هم الأولاد لأنهم منهم في النسب والميراث فإن كانوا يقرءون زين بفتح الزاي فلست أعرف جهتها إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون أتيتها عشايا ويقولون في تثنية حمراء حمرايان فهذا وجه أن يكونوا أرادوا {زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم}، يعني بياء مضمومة لأن شركائهم فاعل زين كما هو في القراءة العامة قال وإن شئت جعلت زين فعلا إذا فتحته لا يلبس ثم يخفض الشركاء باتباع الأولاد قلت يعني تقدير الكلام زين مزين فقد اتجه شركائهم بالجر أن يكون نعتا للأولاد سواء قرئ زين بالفتح أو بالضم وتفسير الشركاء على قراءة الجماعة هم خدم الأصنام أو الشياطين زينوا للكفرة أن يقتلوا أولادهم بالوأد وبالنحر للآلهة وعلى قراءة ابن عامر يكون الشركاء هم القاتلين لأنهم لما زينوا للمشركين قتل أولادهم صاروا كأنهم كانوا هم القاتلين في المعنى والله أعلم.